15Sep

" أنت من تصنع سعادتك بنفسك "
هذا ما كان يتردد في داخلي الأيام الماضية، نحن الذين نختار ما إذا كنّا نريد أن يكون هذا اليوم سعيدًا أو تعيسًا ، كنت إذا سمعت سابقًا مثل هذه العبارات لا أجعلها تدخل في داخلي ، ربما لعدم اقتناعي التام بها، أي أنّي كنت أشعر أن الأحداث والمواقف التي قد تحصل في يومك هي التي قد تحدد مزاجك و نفسيتك . لكنني وعندما عايشت في الفترة الماضية أحداثًا ومواقف تركتها تتحكم في نفسيتي ومزاجي حتى آذتني جدًا و ظهر هذا الأذى في بدني من أوجاعٍ و غيره ، لذلك كان التفكير في ( كيف يمكن أن لا تتحكم المواقف و الأحداث في سعادتنا و مزاجنا ؟ ) أمرٌ ضروري لا بد منه ، لكي نستطيع الاستمرار في هذه الحياة .


" لا تتذكر جيدًا "
أحد الأمور المهمة التي تساعدنا على بقاء مزاجنا جيدًا مهما حدث أن ننسى كثيرًا من الأحداث المزعجة في يومنا ، أن نتجاهل كل ما يثير الحزن أو الغضب ، لا بأس قل لنفسك أن الأشياء لا تكتمل هنا ، كل ما تريده و تحلم به هو في جنّة الله الكريم ، وليس هنا .. لكن لا تنسى ما تحب ، لا أعني حين قلت لا تتذكر ، أن تنسى كل شئ ، قد تكون مثلي حاد التفكير فيما يهمك ، فلا تفقد ما تحبه في سبيل أن تنسى فقط ، تذكر ما تحب ، فلربما كتب الله له التحقق يومًا ، هو يعلم ما في مكنون نفسك وأخفى رغباتك .


" توكل على الله "
أساس كل سعادة و منشأ كل فرح هو أن يكون قلبك مُسَلمًا لله راضيًا مهما حدث ، قد تواجهنا الكثير من الصعوبات في الحياة نحتاج فيها إلى سند و كتف و ركنٍ شديد نأوي إليه من ضعفنا و قلّة حيلتنا ، وفي كثير من هذه المواقف لا نجد أحدًا ! ، كأن كل الذين أحاطونا بالحب و المودّة و الإخلاص اختفوا فجأة ! ، فلا نجد أحدًا أكرم و أرحم و أحنُّ علينا من الله عز وجل ، حينها ندرك أننا من المفترض أن نكون عنده من البداية ! ..


" تجاوز قدر المستطاع "
لا يمكن لإنسانٍ مهما عزل نفسه عن الناس أن يسلم من أذاهم، لا بد لمن يخالط الناس أن يتأذى ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) ، كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعامل مع مثل هذا ؟ ، كان يقابل الأذى بروحٍ مطمئنة هادئة ، بسكينة تجعل الطرف الآخر يتعجب منها ، بابتسامة تُنبؤك أن المواقف التي تحدث لا تخترق عمقه فتؤذيه صلوات الله وسلامه عليه ، بل كان ( يتجاوز ) عن كثير الكثير من المواقف المؤذية ، تجاوزًا هائلاً عن أذيات متنوعة حصلت له في حياته صلى الله عليه وسلم ..
يتعين علينا هنا الوقوف والتأمل فيها فقط .

 
" كُن سعيدًا من أجلك "

....

16Aug

عودة بعد انقطاع طويل عن التدوين ..
أرجع للحديث عن المشاعر مجددًا ! و هل ينضب هذا البحر المستقر أبدًا في قلوب الكائنات ! ، كنت أود الحديث مباشرة عن مشاعر ( الاهتمام ) ، أو دعوني أسميها ( لذة الاهتمام ) ، ذلك الشعور الذي يرتقي في بعض الأحيان من كونه ( شعورًا ) إلى أن يصبح ( حاجة ) ملحّة جدًا ! ، لكني لا أعني في كلامي هذا ( المحتاج للاهتمام ) فقط - رغم أنهم الفريق الأكبر - ، لكن أيضًا الباذل للاهتمام محتاج لبذله أحيانًا !! و هذا هو ما أعنيه في حديثي القادم ..
أريدك فقط إن كنت قوي الإحساس بمن حولك أن تتذكر كل من تعرفهم ؟ ، كم ممن تعرفهم شعرت يومًا أنه محتاج للاهتمام ؟ ، الحقيقة أن البشر جميعهم مفطورون على حب الإهتمام ، انظر حولك من جديد ، كم منهم باذلٌ للإهتمام بسخاء ؟ ، ( قلّةٌ قليلة ) !
كان هذا دأب النبي صلى الله عليه وسلم مع الصغير والكبير ، حتى مع الأطفال كان يسلم عليهم ويمازحهم ويقدرهم عليه الصلاة والسلام ويلقي السلام عليهم ، كان كل واحد من صحابته يشعر أنه الأحب و الأقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ! ، لما ؟ ، هو ( الاهتمام ) !

وفي اقتباسٍ جميل قال الأستاذ محمد الغنيمي :
"هناك قانون هام في السلوك الإنساني، لو أذعنا لهذا القانون وأحسنّا التعامل معه، لتجنبنا الكثير من المتاعب.. وحققنا المزيد من الصداقات.. واستجلبنا به سعادة وافرة.. وحصلنا به الكثير من المنافع... نحن في أشد الحاجة اليها.... (منح الاخرين الاهمية دائماً)"

يفقد الكثيرون اهتمامهم بالآخرين كلما مرَّ بهم الزمن لأسباب متعددة تختلف بإختلافهم ، ويتمحورون في حياتهم على أنفسهم و الأقربين ، بيد أنه لو نظر خارجًا في دائرة علاقاته الواسعة بالناس والآخرين لوجد أنه كان يسكن في علبة مغلقةٍ بإحكام ! ، وأن في العطاء الشعوري الكثير من السعادات التي غفل عنها و لم يكن يلتفت إليها ! .. الكثير من هؤلاء أيضًا حين يُذكر له لفظ ( الاهتمام ) ينحاز فكره مباشرة إلى الجانب السلبي الغير متوازن منه ! ، فيَصدُّ عن كثيره و قليلة !!! ، بيد أن الاهتمام يسكن في ابتسامة ، كلمة طيبة ، مصافحة ، هدية ، سؤال ، نصح ، ووفاء ! ، و قد يحمل معانٍ كثيرة أسمى و أنقى ، الاهتمام خلقٌ مستمرٌ تزيد بزيادته المحبة و الألفة بين الناس و تزيد به السعادة الداخلية و الرضا في قلب الإنسان المعطي . إذا أحببت صدقًا أن يفقدك الآخرين حين تغيب عن الحياة ، فكن حيًّا في حياتهم ، وكن عنصرًا يمدهم بالأمل ويشعرون بوجودك بأنهم مهمين وأن ثمّة شخص على هذه الأرض يكترث لأمرهم .

" كن مهتمًا تكن مهمًا "

24Apr

يسأله : الآن أين وصلت ؟
يغرق في دوامة السؤال ..
في الآونة الأخيرة أصبح يتقن فنّ ابتلاع الكلام ، فالكلام حين يقال لابد أن يتفكر صاحبه في عواقبه على نفسه أولاً وأخيرًا قبل كل شئ ، ثم ينظر أين سيذهب ؟ ، كيف سيفهم ؟ ، ولمن ؟! ..
يحاول أن يرجع للكتابة ، فكلامٌ محتبس و قلم عاجز حِمل ثقيل على نفسٍ متعبة .
لا يشدّه شئ كذلك الضوء الذي يرقبه في آخر النفق، كذلك الأمل في الله سبحانه وتعالى، فتسكن نفسه و تهدأ روحه، درسٌ يتلوه درٌس ثم آخر، إلى أن يخرج منها بفضل الله سالمًا معافى، غير أنه لم يعد الشخص الذي كان في أول الأمر .. بات ينظر إلى الأمور بنظرة مختلفة تمامًا ، لم يعد هو ذلك الشخص الذي كان يكتب خواطره قبل سنة أو سنتين من الآن ، وحين يعود ليقلب صفحاتها يعلم يقينًا أن ما كان ينقصه هو ( التجربة ) ، ليتخذ قرارًا في أمور كان يظن أن الحياة لا تستقيم بدونها ، إنه يحمد الله كثيرًا على تلك التجارب رغم ما كان فيها من تعب ، ويتحسس فيها لطف الله تعالى، إذ يشعر أنها جاءت ردًا على ما كان يتساءل و يفكر فيه قديمًا .
إنه يشعر أنه مولودٌ آخر ، شخصٌ آخر ، و ربما يكون هذا هو ما يسمى نضجًا .

"لك العقبى حتى ترضى و لا حول ولا قوة لنا إلا بك"

20Jan

رحل فكره في ذلك الأفق الأزرق الممتد الذي يراه من النافذة ، ظلام لا يرى به الخط الفاصل بين السماء و الأرض ، شعر لوهلة أنه وفكره و روحه وحيدون في هذا الفضاء ، لقد أحكم إغلاق غرفة خلفية في داخله منذ أسابيع ، رأى فيها أن الخير في الإبتعاد عنها ، وعدم المساس بما تحويه في داخلها ، لقد كان قراره صائبًا حتى الآن ، لقد بدأ ينتبه حين أغلقها أن هناك نافذة جميلة في الزاوية المقابلة للغرفة ،لم يكن يشعر بجمالها من قبل.. هل هكذا هي الحياة دائمًا ؟ هل علينا أن نغلق على ما نحب لنرى ما هو أفضل ؟ .. 

تساؤل يتلوه آخر ، لا يظن أن الليلة كانت باردة جدًا ، لأنه يجد الدفء في البحث عن إجابات أكثر من طرح الأسئلة ! ، ارتسمت ابتسامة على وجهه حين تذكر أنه كان أحمقًا جدًا ! حين كان يبحث عن الخيال الذي لا يقوده إلا إلى واقع مرير ، ابتسم لأنه يفهم الآن أن أمامه طريق طويل ليرسم واقعًا أجمل بكثير من الخيال_بإذن الرحيم_ ، ابتسم لأنه تذكر أنه في هذا الفضاء المظلم ليس وحيدًا ، 

أغلق عينيه .. أخذ نفسًا عميقًا .. إنه يشعر بالحياة 🌱

10Jan

هل جربت يومًا أن تدخل في أمرٍ وأنت محمل بالتصورات المسبقة عنه، ثم تصطدم بواقعٍ مخالف ومغاير لما كنت تتصور أو بالأحرى ( تريد ! ) ..

كثير منّا مرّ بهذه التجربة يومًا من الأيام ، وإن اختلفت المواقف .. ولكن الشعور واحد ! ، هو ذلك الشعور الذي يربكك، يحطم كل مقاييسك، يجبرك على ( تقبّل ) أمرٍ ما ! والبدء بالتعايش معه، وقد تُجْبر على ( محبتّه ) أيضًا ! ..

لا أعرض الأمر على أنه "مشكلة" يجب حلّها، لكنني أريد التحدث عنه كشعور قد يغير في مسار تفكيرك ، وقد يصل في بعض الأحيان إلى بناء قناعات جديدة في داخلك قد تستمر لسنوات طويلة جدًا .. 

ربما أعني بشكل خاص ( التقبّل الصحيح للإختلاف )، وهو ما يكسر جمود تفكيرك على نمط واحد في الحياة ،إلى الإنفتاح على أنماط أخرى ، ولا يشترط أن تكون مقتنعًا بها، لكنك تحاول سماعها وفهمها و( تقبّل ) الصورة الجديدة عنها .. 

ربما أعترف أني لفترة من حياتي لم أعرف أني كنت أحتاج لتعلم ( التقبّل ) كما يتعلم أحدهم درسًا صعبًا وشائكًا في الرياضيات مثلاً أو كحرفة صعبة علي أن أمكث شهورًا لأعتاد عليها وأمارسها ! .. أزعم أني تخطيت فترة حرجة جدًا في هذا الأمر ، ولا يزال أمامي الكثير .. لكنّي صُدِمت بالكثير من القناعات والتصورات التي زرعتها في داخلي بقصد أو بدون قصد والتي أعاني الآن من صعوبة في اقتلاع جذورها أو بقاياها في داخلي .. لم أكن أدرك أنّي على مرّ السنين الماضية كنت أبني جيوشًا في داخلي ربما تقوم بشن حربٍ علي يومًا ما !.. تعلمت أن ( التقبّل ) لا يعني التخلي عمّا تؤمن به ولا يعني التخلي عن قناعاتك، ولكنه الهدوء في الصِدَامات الفكرية التي قد تحدث بينك وبين قناعات الآخرين ، أن يدخل كلامهم في قنطرة بين العقل والقلب ، أن تسمح بمرور كلماتهم إلى سمعك ثم إلى عقلك والأخذ بما يقولون والتفكير به بشكل جدّي ودون خوف ، وأن تترك لعقلك حريّة التمييز والفصل، وكذلك هو يعني التعايش مع ما ترفض أو تكره من التصرفات على نحو لا يلغي قناعتك أو شخصيتك ولا يفرض رأيك على الأطراف الأخرى .. والأهم من ذلك أن ( التقبّل ) لا يعني السكوت عن الباطل ،لكنه قول الحق في مكانه الصحيح دون انفعال  ..

أظن أنّي مهما حاولت التعبير عن هذا المفهوم  إلا أني لا أستطيع تعريفه جيدًا .. وربما لم أتقن أو أحسن هذه الصنعة بعد، لكنّي سعيد أنني أحاول، وأن نتائج التقبّل على راحة ذهني وقلبي تلوح لي من قريب ..فمن أهم النتائج للتقبّل هي الراحة والسعادة والشعور بالرضا الداخلي و القدرة على العيش في أي بيئةٍ كانت ! ..

24Nov

وَأَنِّي مُقِيمٌ فِي مَوَاطِنَ غُرْبَةٍ … عَلَى كَثْرَةِ الأُلاَّفِ فِي جَانِبٍ وَحْدِي


يتقلب في أمورٍ كثيرة ، يعيش تجارب لا يستطيع الحكم عليها سريعًا ..
كان ينتظر المطر منذ أسابيع ، ليغسل ما عَلِق في روحه المتعبة ..
كان حين ينظر إلى البحر يتذكر سعّة الحياة ، وأنها تحمل بداخلها من الدروس الخفية ما لا يستطيع الإنسان أن يحيط به علمًا ..
كان يتذكر قلبَ صديقٍ له ، بدا وكأنه تحطّم أمام أحد صخور الحياة الصلبة ..
هو يعرف تمامًا أن الكلمات عاجزة عن التعبير عما يكنّه صدر الإنسان من مشاعر صادقة ..
لكنّ روحه و قلبه يستطيعان إدراك كل ما يجري دون الحاجة للكلام ..
كان يتأمل ذلك الطير الذي شعر بالدفء والأمان و وجد المأوى والسكن ، ثم اطمأن و ظن أن الحياة تبقى هكذا ..
ثم تلقيه الحياة خارج المأوى و ترغمه على أن يعيش تحديات الحياة لوحده .. فجأة وفي لحظة! أصبح في عالمٍ جديد، فَقَد معه الأمان والدفء والسكن !

كان يبحث عن ما سقَط منه منذُ وقتٍ طويل، ثم عَلِم أن لا شئ قد سقط فعلاً ! .. لقد كان ما يبحث عنه قريبًا جدًا منه ، ينتظر عودته في أي وقت !
كان يتمنى دائمًا أن يقول لصديقه ذاك : الكسور يا صديقي مهما عظمت سيجبرها الله تعالى ! .. هي مسألة وقتٍ و صبر !
إن مرور الأيام و تعاقب الأحداث يزيده يقينًا مع كل يوم أن الحياة لا يمكن أن تحلو أو تطيب إلا بالقرب من الله تعالى .. و ما دون ذلك فهو متّاع زائل لا يبقى و لا يدوم ..
وأن الحياة وإن أحاطتك بالأحباب و الأصحاب فلن تملأ فراغ قلبك أبدًا ..
وأن الحياة تلبس لونًا آخر و شكلاً آخر حين تكون قريبًا منه ..
والغربة يا صديقي تغدو وطنًا آمنًا دافئ ..


واصطكّت الأبوابُ 
في وجه المُنى ! “

فلقيتُ “يا الله “
فرجَةَ مُعتمِ !

أنا لم أجد في الكونِ
 همًا عاصيًا

“إلا وجدتُ الله 
دومًا راحمِي 

23Sep

" و أعرف أنني أعامل الناس والأشياء كأنهم معانٍ مجردة في الضمير، لا كأنهم شخوص و محسوسات "


لقد قرأت هذا الكتاب بعد فترة طويلة مضت على سؤالٍ طُرح علي، ثم عَلِق في ذهني حتى أمسكت بالكتاب و قرأته .. 

كان السؤال : هل الكاتب عباس محمود العقاد من الكماليين ؟ 

استثار فضولي هذا السؤال، لكنّي أجلت قراءته لأسباب و ظروف عدة.. 

الآن يمكنني أن أقول : نعم، هو كمالي أو كما يسمونهم أيضًا مثاليين (NF) في مقياس مايرز برقز للشخصيات ( mbti ) .. أحببت أسلوب العقاد السلس و البسيط في سرد سيرته و حياته .. أعجبتني تشبيهاته ، خياله الواسع ، عاطفته كما هي كتابات جميع الكماليين .. شعرت أن شخصًا يتحدث معي بكل أريحيه عن نفسه و عن مكنوناتها و عن مشاعره اتجاه مواقف أو أفكار مرت به في حياته .. لم أشعر بالملل و أنا أقرأه .. كان يجمع بين سرده لحياته و بين أفكاره و رأيه الخاص عن الأشياء و الأمور التي يراها أو يسمعها .. كان الكتاب بالنسبة لي جولة ممتعة في باطن إنسان ، في عمق فكره و قلبه .. ربما أكثر في نهاية الكتاب من الحديث عن الفلسفة ، لكن هذا لا يقلل من جمال الأسلوب و جمال الكتاب أبدًا ..

لن أتحدث أكثر عن الكتاب ، سأترك هذه الاقتباسات تتحدث عنه ( ربما تكثر الإقتباسات أو تطول لكثرة ما في الكتاب من فوائد ثمينة ) .. أتمنى لكم قراءة ممتعة  :


- هل يعرف الإنسان نفسه ؟ .. كلا ، بغير تردد، فلو أنه عرف نفسه لعرف كل شئ في الأرض والسماء ، وفي الجهر والخفاء ، ولم يكتب ذلك لأحد من أبناء الفناء.. إنما يعرف الإنسان نفسه بمعنى واحد و هو أن يعرف حدود نفسه حيث تلتقي بما حولها من الأحياء أو من الأشياء. والفرق عظيم بين معرفة النفس ومعرفة حدودها، لأننا نستطيع أن نعرف حدود كل مكان ولكن لا يلزم من ذلك أن نعرف خباياه وخصائص أرضه وهوائه وتاريخ ماضية ولو قسنا كل شبر في حدوده .


- كنت في طفولتي أحب مراقبة الطير والحيوان، وكان فضاء بلدي-أسوان- يمتلئ في أوائل الشتاء وأوائل الصيف بأسراب الطير المهاجرة إلي أفريقية أو القافلة من الهجرة، فاتفق أنني تتبعت سربًا منها وهو يحط على الأرض ويرتفع، حتى ضللت الطريق في الصحراء وعدت إلى المنزل بعد هبوط الظلام.


- إنني أقرأ هذه الكتب وأعتقد أن العلاقة بينها متينة، و إن كانت تفترق في الظاهر، لأنها ترجع إلي توسيع أفق الحياة أمام الإنسان.. فكتب فلسفة الدين تبين إلى أي حد تمتد الحياة قبل الولادة و بعد الموت. وكتب التاريخ الطبيعي تبحث في أشكال الحياة المختلفة وأنواعها المتعددة، وتراجم العظماء ، معرض لأصناف عالية من الحياة القوية البارزة، والشعر هو ترجمان العواطف، فإنني أفضل من الكتب كل ما له مساس بسر الحياة.


- إذا اطلع القارئ على كتاب في الحشرات، فليس من اللازم اللازب أن يطلع عليه ليكتب في موضوعه، ولكنه يطلع عليه لينفذ إلى بواطن الطبائع و أصولها الأولى، ويعرف من ثم كيف نشأ هذا الإحساس أو ذاك الإحساس، فيقترب بذلك من صدق الحس وصدق التعبير، ولو في غير هذا الموضوع.


- اطلع الأستاذ الإمام " محمد عبده " على إحدى الكراسات فقال : " ما أجدر هذا أن يكون كاتبًا بعد ! .. "

فكانت هذه الكلمات أقوى ما سمعت من كلمات التشجيع، و لكنها جاءت بعد سنوات في القراءة ومحاولة الكتابة .. و لا يقرأها أحدٌ غيري وغير تلميذين أو ثلاثة من الزملاء .


- و ليس في الوظيفة الحكومية لذاتها معابة على أحد، بل هي واجب يؤديه من يستطيع ، ولكنها إذا كانت المستقبل الوحيد أمام الشاب المتعلم فهذه هي المعابة على المجتمع بأسره.


- لكننا مطالبون بأن نحفظ لأنفسنا في هذا المحيط الذي لا نهاية له أوسع دائرة يمتد إليها شعورنا و إدراكنا. والكتب هي وسائل الوصول إلى هذه الغاية، وهي النوافذ التي تطل على حقائق الحياة، ولا تغني النوافذ عن النظر.


- إن الكتب طعام الفكر، وتوجد أطعمه لكل فكر كما توجد أطعمه لكل بنية، ومن مزايا البنية القوية أنها تستخرج الغذاء لنفسها من كل طعام وكذلك الإدراك القوي يستطيع أن يجد غذاء فكريًا في كل موضوع . و عندي أن التحديد في اختيار الكتب إنما هو كالتحديد في اختبار الطعام.


- لا تغني الكتب عن تجارب الحياة، ولا تغني تجارب الحياة عن الكتب ، لأننا نحتاج إلى قسط من التجربة لكي نفهم حق الفهم، و أما أن التجارب لا تغني عن الكتب ، فذلك لأن الكتب هي تجارب آلاف من السنين في مختلف الأمم والعصور، ولا يمكن أن تبلغ تجربة الفرد الواحد أكثر من عشرات السنين.


- مقياس الكتاب المفيد فإنك تتبينه من كل ما يزيد معرفتك وقوتك على الإدراك والعمل و تذوق الحياة.


- أؤمن بالتشجيع و الظروف و الرغبة تتلاقى معًا وتتوافق في الخطوات الأولى .. و لا أؤمن بها متفرقة يتيسر بعضها ويتعذر سائرها في مستهل الطريق.

فكلمات التشجيع إذا امتنعت الظروف المواتية قلما تفيد، وكلمات التشجيع مع مواتاة الظروف تضيع كلها عبثًا إذا امتنعت الرغبة في نفس الناشئ ودل امتناعها على نقص الاستعداد أو على الرغبة في عمل آخر يضل عنه حتى يهتدي إليه، وفي ظرف من الظروف.


- ماذا نتعلم من ساعات الفراغ ؟

نتعلم منها كل شئ، ولا نتعلم شيئًا من الحوادث أو الكتب أو الأعمال إلا واحتجنا بعده أن نتعلمه مره أخرى في وقت الفراغ.

فالمعارف التي نجمعها من التجارب والكتب محصول نفيس، ولكنه محصول لا يفيدنا ما لم نغربله ونوزعه على مواضعه من خزائن العقل والضمير.

… ولولا أننا نخشى أن يقدس الناس الفراغ لقلنا إن تاريخ الإنسانية من أوله إلى عهده الحاضر مدين لساعات الفراغ.


- من لم يتعلم حقائق الضمير الإنساني من الطفل فما هو بمستفيد شيئًا من علوم الكبار، ولو كانوا من كبار العلماء.. وصحبة الطفل الصغير رياضة ، وما أجملها من رياضة ..


- هكذا طعام العقل أو طعام الروح حيثما عرفت الروح ما يصلح لها، وما يليق بها من طعام، إنها لا تستريح بغيره، ولا تتوانى عن طلبه، ولا تنتظر المثوبة أو الشكر؛ لأنها تختار غذاءها فتحسن اختياره، ولا ترضى بما دونه، وإنما المهم أن تعرف هذا الغذاء فإذا هي عرفته فلا باعث لها إلى الخير أقوى من الشوق إليه، ولا وازع لها ، ولا عقوبة تخشاها في سبيله أوجع من فواته والحرمان منه .


- لا تقنط من طيبة الناس كل القنوط، ولا تعول عليها كل التعويل، بل أحسن الظن بالناس كأنهم كلهم خير، واعتمد على نفسك كأنه لا خير في الناس .

أنا لا ألُومُ ولا أُلام

حسبي من الناس السلام

أنا إن غُنِيتُ عن الأنام 

فقد غُنِيت عن الملام

وإذا افتقرت إليهم 

فاللوم من لغوِ الكلام


- غناك في نفسك، وقيمتك في عملك، وبواعثك أحرى بالعناية من غاياتك ، ولا تنتظر من الناس كثيرًا .


- لقد عاب القرآن الكريم على بني إسرائيل في عهد النبي خوفهم من الموت، فقال : إنهم أحرص الناس على ( حياة )، ولم يقل على الحياة .. لأن الحرص على الحياة واجب طبيعي و واجب إلاهي لا عيب فيه، فلا يلام الحي على أن يحرص على الحياة.. وإنما يلام لأنه يحرص على كل حياة وأي حياة، ولو قبل الهوان، وهرب من الواجب ، وامتنعت عليه وسائل العمل النافع، ووسائل الرجاء في صلاح الأمور .


- إنني أشعر بأنني لا أقرأ سطورًا على ورق، ولكنني أحيا في تلك الأوراق بين أحياء ... 

إنني طفت العالم من مكاني الذي لا أبرحه؛ لأنني رأيت في هذا المكان ما يراه الرحالون المتنقلون.


- اليوم الجميل هو الذي نملك فيه دنيانا ولا تملكنا فيه، وهو اليوم الذي نقود فيه شهواتنا ولذاتنا ، ولا ننقاد لها صاغرين أو طائعين.


- قال شاعر حديث :

يطلب الإنسان في الصَّيف الشَّتا

فإذا جاء الشَّتا أنكره

ليس يرضى المرءُ حالاً واحدًا 

قُتِل الإنسان ما أكفره!


- فليس كل انطواء كبتًا للنفس، أو كتمانًا لسر من الأسرار الخفية، وهناك فارق كبير بين السكوت خشية الكلام، والسكوت لأنك لا ترى حاجة إلى الكلام.


- ولست أدري لِمَ يحضرني خاطر الطعام المخزون في العلب كلما تحدثوا عن الكتب وما فيها من طعام العقول؟! فما القول في رأس فيلسوف مجفف لساعة الحاجة إليه ؟!




أنصحكم بقراءته ()

رابط الكتاب :

كتاب ( أنا ) للعقاد pdf

18Sep


دائمًا ما كنت أتساءل وأتخيل : كيف يمكن للعالم أن يبدو لو كان مثاليًا ؟، والحقيقة أنني كنت أتسلى بهذا الخيال فحسب ..

صحيح أن الصورة التي كان يرسمها عقلي مذهلة و مشوقة جدًا ، و بيئة ( مثالية ) -على ما أعتقد- للعيش و الحياة ! 

لكنّي في ذات الوقت أسأل : هل فعلاً يمكننا العيش في بيئة مثالية ؟، هل سيكون للحياة معنً لو كان كل شئ على أحسن الصور و أكملها و أفضلها ؟ 

ستكون الإجابة حتمًا : لا ..


أتفق مع أي إنسان أن الحياة من غير ضجر أو نكد أو هم أو حزن أو قلق أو تعب أو خطأ .. أفضل بكثير .. 

لذلك يقول أهل الجنّة حين يكرمهم الله سبحانه بدخلوها :

{ وقالوا الحمدلله الذي أذهب عنّا الحزن إن ربنا لغفور شكور * الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصبٌ و لا يمسنا فيها لغوب }

لن يكون للحياة معنً لو كان الإنسان لا يخطئ و لا يتعلم و لا يرجع أو يؤوب :

( والذي نفسي بيدِه ! لو لم تذنبوا لذهب اللهُ بكم ، ولجاء بقومٍ يذنبون ، فيستغفرون اللهَ ، فيغفرُ لهم ) [رواه مسلم]

و إن المنغصّات قد خُلِقت مع الحياة كجزء لا يتجزء منها، لحكمة بالغة و غرض عظيم يعلمه الله سبحانه ، يربي به عباده و يرفعهم بصبرهم و احتسابهم عليها درجات .. لذلك لو كان أحدٌ من البشر سيسلم من هذه المنغصّات لسلِم منها رسول الله صلى الله عليه وسلم و قد قال له ربّه مسليًّا له :

{ و لقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون } 

فالإيمان بحتميّة ( النقص ) في الحياة مما يهوّن على الإنسان إحتمال ( كبد ) الحياة :

{ إن يمسسكم قرحٌ فقد مسَّ القوم قرحٌ مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس }

و من فوائد ( النقص ) الذي يعتري الحياة .. معرفة مقامات الناس ، و إختبار إلهي ليميز الله الخبيث من الطيب كما قال تعالى : 

{ ولنبونَّكم حتى نعلم المجاهدين منكم و نبلوَ أخباركم }

و يكشف الله سبحانه ( بالمنغصّات ) سرائر الناس :

{ و من الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خيرٌ اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا و الآخرة ذلك هو الخسران المبين }

{ الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله و إنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و أولئك هم المهتدون }

لذلك فقد كانت الحياة اختبارًا ، و لا يجب للحياة أن تكون ( جائزة ) ، فالطالب حين ينجح لا يعرف طعم النجاح من غير التعب و النصب قبل النجاح :

{ الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيُّكم أحسن عملاً } 

( الشئ لا يعرف إلا بضده ) .. و لولا ( الحزن ) ما عرفنا الفرح .. و لولا ( القلق ) لم نعرف الطمأنينة .. و لولا ( المرض ) لم نعرف الصحة .. و لولا ( التعب ) لم نعرف الراحة .. و لولا ( الحرب ) لم نعرف السلام .. و لولا ( الظلم ) لم نعرف العدل .. إننّا ندرك الأشياء حين نعيش أضدادها .. و نعرف قيمتها و ثمنها الحقيقي .. 

لذلك 

لولا ( نقص الحياة ) لم نتخيل ( كمال و جمال جنّة الله ) :

قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: قال الله تعالى: ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر )


اللهم نسألك رضاك والجنة ..

07Aug

" ولكن ليس غيرك لي طبيب "

يحارُ جدًا ، يقف أمام هذا السيل الجارف من المشاعر و المشاكل مفردًا .. 

الليل يزيد حلكة ، و الجو يمتلئ بالأتربة و الرياح التي تعصف به و بقلبه ..

لا وجهه .. لا مرشد .. لا دليل .. عقلٌ مضطرب و روحٌ متعبة جدًا .. 

و يظل هو يبحث عنك .. يبحث عنك في كل مكان ..

و أنت الذي لم تكن بعيدًا عنه يومًا .. و أنت الذي تكون أقرب دائمًا من كل شئ ..

هو الذي كان يُضِيعُ الطريق إليك .. 

يَضِيع في زحمة الناس و اختلاف الأنفس و تغير الظروف .. 

لا شئ يُخرج هذا الضعيف مما هو فيه إلاك ! 

لا شئ ينتشله من كل ما هو فيه سوى يد لطفك الممتدة دائمًا ..

ولا تكون الحياة طيبة هنيّة إلا معك ..

ذوي الكسور و الجروح و المتعبين .. 

يجدون عندك الطبَّ و الشفاء و السلوى ..

الوحيدون و البائسون و الغرباء .. 

يجدون أوطانهم في قربك ..

كان من خَسَارَتِه و ضَيَاعِه أن يُحَوِّل وجهته عنك حين يحزن ..

و ليس لحزنه دواء إلا عندك ..

يا طبيب المتعبين .. و يا جابر الكسر و مقوّي الإنسان من ضعف ..

إنه ليس في الدنيا حين تُقْفَل الأبواب إلا بابٌ واحد مفتوح ..

بابك .. يا أكرم الأكرمين 

لا يوصد الباب في وجه من أقبل لأي سببٍ كان .. 

بل يُفتح على مصراعيه و يرحب بمن قدم و يتلقفه من غرق و يشفيه من كل ألم ..


إن من الأمان يا صديقي ..

أن تلجأ دائمًا إلى هذا الباب أولاً .. 

لأنك لن تجد أبدًا في نهاية مسيرك المتعب بابًا يُفْتَح لك من دون حواجز أو عوائق غيره ..

نعم المولى و نعم النصير ..

18Jul

كنت أتخيل أني أسير إليك ، حاملاً كل أوجاع صدري، حاملاً كل السنين والأشواق والمشاعر التي سكنت في قلبي طويلاً.. أسير إليك حاملاً الحلم الطويل للقياك، لأقف عند باب مجلسك، أقف تملء قلبي الهيبة والإجلال والذهول لمرآك .. ربما لن أستطيع إطالة التحديق بك، سيكون رأسي مطأطأ طيلة الوقت، ربما من الحياء أو من الدهشة !.. أخيرًا سأراك!! .. أخيرًا رأيتك !! .. أظن أن هذه الكلمات ستتردد في داخلي وستظل كالصدى المستمر تستثير دموعي .. رأيتك يا حبيبي .. يا رسول الله ! .. 

سأبدأ مع صباح كل يوم برفع رأسي قليلاً، محاولة إستراق النظر إلى الوجه القمري الذي لطالما سمعت وصفه ، كل يوم سأرتوي بنظرةٍ تشبع روحي و شغف قلبي .. 

سأظل أمعن النظر و أطيل الصمت و أرقب كل موقف يحدث في مجلسك، كل كلمة، وربما كل هدوء! .. لا أظنني سأتمنى أن أبتعد خطوة .. ولا أظن أن صارفًا أيًّا كان سيصرفني عن جمع كل ما يمكنني جمعه من موقف أو درس أو حركة أو همسه ! 

سأظل صامتًا .. يذهلني مرآك ، صوتك ، حديثك .. ستصحبني أمنية دائمة أن تخصني بحديث أو تخصني بدعوة .. أو أن أجلس معك على انفراد .. سأرقب لحظة نزول الوحي ،فلطالما كان للقرآن وقع على القلوب حين يسمع من القراء، فكيف به وهو للتو ينزل و يقرؤه رسول الله صلى الله عليه وسلم !! .. إنني و لسان حالي بملء الحب يقول: ما الذي يمكن أن يكون أجمل من هذا ؟! ما الذي يمكن أن يكون أجمل منك يا رسول الله أو من صحبتك ؟!


و قد سئل علي -رضي الله عنه- كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟، قال : " كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا، وآبائنا وأمهاتنا، و من الماء البارد على الظمأ " .. 

لا أذهل ولا أستغرب من ثوبان رضي الله عنه حين سأله رسول الله-صلى الله عليه وسلم - عن تغير لون وجهه، فقال له ثوبان: يا رسول الله ما بي مرضٌ ولا وجع، غير أنّي إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم أذكر الآخرة فأخاف أني لا أراك، لأنك تُرفع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدًا ..

ولا أذهل ولا أستغرب من امرأه من بني دينار في غزوة أحد، استشهد زوجها وأخوها وأبوها في الغزوة فكان أول سؤالها عنه، عن الحبيب فقالت: " ما فعل رسول الله صلى عليه وسلم ؟ " ، فقالوا لها : خيرًا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، فقالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل-أي صغيرة- ..

ولا أنذهل ولا أستغرب من ردة فعل سوّاد بن غزيه حين ضربه رسول الله على بطنه ضربةً خفيفة ، فرفع له رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه ليقتص منه سواد ، فاعتنق سواد رسول الله صلى الله عليه وسلم و قبّل بطنه ، فسأله رسول الله عن ما فعل فقال : " ما حملك على ذلك يا سواد ؟ " قال: يا رسول الله، قد حضر ما ترى ( أمر الحرب و القتال )، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسَّ جلدي جلدك!

و لا أنذهل ولا أستغرب مما فعل زاهر بن حرام حين احتضنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه ممازحًا له و هو يقول : " من يشتري العبد ؟ " ، ففزع زاهر و لكنه عندما نظر خلفه و عرف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صار يلصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه ..

لله درهم قد عاشوا بصحبه خير الخلق، تمتعوا بكلماته ، بمرآه، بسماع صوته، ورؤية تصرفاته، والعيش معه ! 


هو المُقَّدم في نفسي على نفسي         وأهل بيتـي وأحبابـي وخِلانـي


هل تخيلت يومًا ماذا ستشعر لو كنت هناك .. معه ؟ 


* لم نحظى من رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحبة في الحياة الدنيا، و لكننا لم نُمنَع من تخيلها .. أو تمنيها في دار البقاء ..

03May

نتعب كثيرًا عندما تكون أحلامنا وآمالنا أكبر من الواقع، ونصحو حين نصطدم بأحد جدران الحياة ..

اصْطَدَمَ هو مؤخرًِا بجدار.. كان يُؤْمن أن الفردية أمرٌ حتمي على الإنسان، وأنه لا بد أن يكون يومًا ( فردًا )

{ وكلكم آتيه يوم القيامة فردا } ، { يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } 

يَسْمَع في الدعاء: اللهم ارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، تحت الجنادل والتراب ( وحدنا ) ..

يَتَذَكر أن جبريل حين جاء يَمْسح ألم الوحدة عن قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحقيقة فقال له: ( يا محمد أحبب من شئت، فإنك مفارقه ) .. 

ورغم أنه يُؤمن بذلك، إلا أنه يبقى ( إنسانًا )!، يسقط دائمًا في حفرة ( تَمَنِي الاجتماع الدائم )، ولهذا سُمي إنسانًا، إذ أن اسمه اشْتُق من ( الأُنْس ) نقيض ( الوحشة )، لكنَّ الحقيقة دائمًا تخفف من هذه الوحشة، تُسَكِّن من هذا الألم، إذ لا بد أن يتذكر أنه صائرٌ إليها لا محالة، وأن التأقلم خيرٌ من الهروب .. وأن ( يحبَّها )، إذ أن الحب درجةٌ أعلى من التأقلم..

وكيف للإنسان أن يحب ما يكره !؟

ذكر الطنطاوي في كتابه ( من حديث النفس )، كلامًا عن هذا فقال: “ ما آلمني شيء في الحياة ما آلمتني الوحدة ، كنت أشعر كلما انفردت بفراغ هائل في نفسي ، وأحس بأنها غريبة عني ، ثقيلة علي لا أطيق الإنفراد بها ، فإذا انفردت بها أحسست أن بيني وبين الحياة صحاري قاحلة ، وبيدًا مالها من آخر ، بل كنت أرى العالم في كثير من الأحيان وحشاً فاغراً فاه لابتلاعي ، فأحاول الفرار ، ولكن أين المفر من نفسي التي بين جنبي ، ودنياي التي أعيش فيها ؟ 

.. انغمست في الحياة لأملأ نفسي بمشاغل الحياة ، وأغرق وحدتي في لجة المجتمع ، واتصلت بالسياسة وخببت فيها ووضعت وكتبت وخطبت ، فكنت أحس وأنا على المنبر بأني لست منفرداً وإنما أنا مندمج في هذه الحشد الذي يصفق لي ويهتف ـ ـ ـ ولكني لاأخرج من النديِّ ويرفضُّ الناس من حولي ، وانفرد في غرفتي حتى يعود هذا الفراغ أهول مما كان ، وترجع الوحدة أثقل ، فكأنها مانقصت هناك إلا لتزداد هنا ، كالماء تسد مخرجه فينقطع ، ولكنك لاترفع يدك حتى يتدفق ماكان قد اجتمع فيه.. 

وجدت الشهرة لاتفيد إلا اسمي ، ولكن اسمي ليس مني ، ولاهو ــ أنا ــ فأحببت أن أجد الأنس بالحب وأن أنجو به من وحدتي ، فلم أجد الحب الاء اسماً لغير شيء ، ليس له في الدنيا وجود … ولكن أن تلتقي الأرواح ؟ وأين هذا الحب الجارف القوي الخالص الذي يأكل الحبيبين كما تأكل النار المعدن ، ثم تخرجها جوهراً واحداً مصفى نقياً مافيه ــ أنا ــ ولا ــ أنت ــ ولكن فيه ــ نحن ــ ؟

فنفضت يدي من الحب ، ويئست من أن أرى عند الناس الإجتماع المطلق ، فعدت بطوعي أنشد الوحدة المطلقة

صرت أكره أن التقي بالناس ، وأنفر من المجتمعات ، لأني لم أجد في كل ذلك إلا اجتماعاً مزيفاً ، يتعانق الحبيبان ، ولو كشف لك عن نفسيهما لرأيت بينهما مثل مابين الأزل والأبد ، ويتناجى الصديقان ، ويتبادلان عبارات الود والأخاء ، ولو ظهر لك باطنهما لرأيت كلا منهما يلعن الآخر ، وترى الجمعية الوطنية ، أو الحزب الشعبي ، فلا تسمع إلا خطباً في التضحية والإخلاص ، ولا ترى إلا اجتماعاً واتفاقاً بين الأعضاء ولو دخلت في قلوبهم لما وجدت إلا الإخلاص للذات ، وحب النفس ، وتضحية كل شيء في سبيل لذة شخصية أو منفعة

وجدتني غريباً بين الناس فتركت الناس وانصرفت إلى نفسي أكشف عالمها ، وأجوب مافيها وأقطع بحارها ، وأدرس نواميسها وجعلت من أفكاري وعواطفي أصدقاء وأعداء ، وعشت بحب الأصدقاء وحرب الأعداء” أ.هـ 


ربما يجد الإنسان الأُنس في صديقٍ أو عملٍ أو هدف .. لكن ما تلبث هذه الأمور إلا أن تخذلك في ساعة من الساعات أو وقت من الأوقات .. ولا يخذلك الله تبارك وتعالى .. إذ هو القريب دائمًا والسميع لأوجاعك والبصير بها .. تغيب أنت ولا يغيب هو عنك سبحانه وتعالى ..

( اللهم إنّا نسألك الأنس بقربك )

06Apr


حياةٌ لا تَترك فيها أثرًا .. كُنْت زائدًا عليها ..

هامشًا على صفحاتها..

لا تذكرهم الأرض ولا تبكي عليهم السماء ..

{ فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين }

الطين الذي نمشي عليه ، ومنه خُلِقنا ، وفيه نعود .. نمشي عليه الآن لنترك خلفنا غدًا آثارًا .. وتبقى الآثار ونرحل نحن .. 

طُوبا لمن اتَّبع أشرف آثار وَطِئَت الثرى .. طُوبا لمن تَبع خطوات محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ..

تَتَبَع آثاره .. واقتدى بها ..

إن النجاة في الحياة وبعدها في تَتَبُع أثره ..


{وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} 

اعملوا .. 

لأن الحياة زهرة .. مختلفةُ الألوان .. ثم تهيج فتراها مصْفرّة .. ثم تكون حُطاما ! 

{ اعلموا أنما الحياة الدنيا لعبٌ ولهوٌ وزينة وتفاخرٌ بينكم وتكاثرٌ في الأموال والأولاد كمثل غيثٍ أعجبَ الكفار نَبَاتُهُ ثم يَهِيجُ فتراه مصفرًا ثم يكون حُطاما }


لا يَتْرُك خلفه إلا ما قدم ، ويجازى بعدها بأحسن ما عَمِل ..

يحمل مسؤليته في عنقه ، و يُخرج له كتابه يوم القيامة فيَلْقاه منشورا ..

ثم يَلْقى ربه فردًا ..

وقال أصحاب الأثر :

{ وقالوا الحمدلله الذي أذهب عنّا الحزن إن ربنا لغفورٌ شكور * الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصبٌ ولا يمسنا فيها لغوب }

والصنف الآخر قالوا :

{ وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحًا غير الذي كنّا نعمل }

فكان الجواب :

{ أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير }


إنما أنت في الحياة ، لكي يرى الله عملك ..

{ ليبلوكم أيُّكُم أحْسَنُ عملا }

أيُّكم أحسن أثرًا ..


تم عمل هذا الموقع بواسطة