هل جربت يومًا أن تدخل في أمرٍ وأنت محمل بالتصورات المسبقة عنه، ثم تصطدم بواقعٍ مخالف ومغاير لما كنت تتصور أو بالأحرى ( تريد ! ) ..
كثير منّا مرّ بهذه التجربة يومًا من الأيام ، وإن اختلفت المواقف .. ولكن الشعور واحد ! ، هو ذلك الشعور الذي يربكك، يحطم كل مقاييسك، يجبرك على ( تقبّل ) أمرٍ ما ! والبدء بالتعايش معه، وقد تُجْبر على ( محبتّه ) أيضًا ! ..
لا أعرض الأمر على أنه "مشكلة" يجب حلّها، لكنني أريد التحدث عنه كشعور قد يغير في مسار تفكيرك ، وقد يصل في بعض الأحيان إلى بناء قناعات جديدة في داخلك قد تستمر لسنوات طويلة جدًا ..
ربما أعني بشكل خاص ( التقبّل الصحيح للإختلاف )، وهو ما يكسر جمود تفكيرك على نمط واحد في الحياة ،إلى الإنفتاح على أنماط أخرى ، ولا يشترط أن تكون مقتنعًا بها، لكنك تحاول سماعها وفهمها و( تقبّل ) الصورة الجديدة عنها ..
ربما أعترف أني لفترة من حياتي لم أعرف أني كنت أحتاج لتعلم ( التقبّل ) كما يتعلم أحدهم درسًا صعبًا وشائكًا في الرياضيات مثلاً أو كحرفة صعبة علي أن أمكث شهورًا لأعتاد عليها وأمارسها ! .. أزعم أني تخطيت فترة حرجة جدًا في هذا الأمر ، ولا يزال أمامي الكثير .. لكنّي صُدِمت بالكثير من القناعات والتصورات التي زرعتها في داخلي بقصد أو بدون قصد والتي أعاني الآن من صعوبة في اقتلاع جذورها أو بقاياها في داخلي .. لم أكن أدرك أنّي على مرّ السنين الماضية كنت أبني جيوشًا في داخلي ربما تقوم بشن حربٍ علي يومًا ما !.. تعلمت أن ( التقبّل ) لا يعني التخلي عمّا تؤمن به ولا يعني التخلي عن قناعاتك، ولكنه الهدوء في الصِدَامات الفكرية التي قد تحدث بينك وبين قناعات الآخرين ، أن يدخل كلامهم في قنطرة بين العقل والقلب ، أن تسمح بمرور كلماتهم إلى سمعك ثم إلى عقلك والأخذ بما يقولون والتفكير به بشكل جدّي ودون خوف ، وأن تترك لعقلك حريّة التمييز والفصل، وكذلك هو يعني التعايش مع ما ترفض أو تكره من التصرفات على نحو لا يلغي قناعتك أو شخصيتك ولا يفرض رأيك على الأطراف الأخرى .. والأهم من ذلك أن ( التقبّل ) لا يعني السكوت عن الباطل ،لكنه قول الحق في مكانه الصحيح دون انفعال ..
أظن أنّي مهما حاولت التعبير عن هذا المفهوم إلا أني لا أستطيع تعريفه جيدًا .. وربما لم أتقن أو أحسن هذه الصنعة بعد، لكنّي سعيد أنني أحاول، وأن نتائج التقبّل على راحة ذهني وقلبي تلوح لي من قريب ..فمن أهم النتائج للتقبّل هي الراحة والسعادة والشعور بالرضا الداخلي و القدرة على العيش في أي بيئةٍ كانت ! ..