18 Sep
18Sep


دائمًا ما كنت أتساءل وأتخيل : كيف يمكن للعالم أن يبدو لو كان مثاليًا ؟، والحقيقة أنني كنت أتسلى بهذا الخيال فحسب ..

صحيح أن الصورة التي كان يرسمها عقلي مذهلة و مشوقة جدًا ، و بيئة ( مثالية ) -على ما أعتقد- للعيش و الحياة ! 

لكنّي في ذات الوقت أسأل : هل فعلاً يمكننا العيش في بيئة مثالية ؟، هل سيكون للحياة معنً لو كان كل شئ على أحسن الصور و أكملها و أفضلها ؟ 

ستكون الإجابة حتمًا : لا ..


أتفق مع أي إنسان أن الحياة من غير ضجر أو نكد أو هم أو حزن أو قلق أو تعب أو خطأ .. أفضل بكثير .. 

لذلك يقول أهل الجنّة حين يكرمهم الله سبحانه بدخلوها :

{ وقالوا الحمدلله الذي أذهب عنّا الحزن إن ربنا لغفور شكور * الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصبٌ و لا يمسنا فيها لغوب }

لن يكون للحياة معنً لو كان الإنسان لا يخطئ و لا يتعلم و لا يرجع أو يؤوب :

( والذي نفسي بيدِه ! لو لم تذنبوا لذهب اللهُ بكم ، ولجاء بقومٍ يذنبون ، فيستغفرون اللهَ ، فيغفرُ لهم ) [رواه مسلم]

و إن المنغصّات قد خُلِقت مع الحياة كجزء لا يتجزء منها، لحكمة بالغة و غرض عظيم يعلمه الله سبحانه ، يربي به عباده و يرفعهم بصبرهم و احتسابهم عليها درجات .. لذلك لو كان أحدٌ من البشر سيسلم من هذه المنغصّات لسلِم منها رسول الله صلى الله عليه وسلم و قد قال له ربّه مسليًّا له :

{ و لقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون } 

فالإيمان بحتميّة ( النقص ) في الحياة مما يهوّن على الإنسان إحتمال ( كبد ) الحياة :

{ إن يمسسكم قرحٌ فقد مسَّ القوم قرحٌ مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس }

و من فوائد ( النقص ) الذي يعتري الحياة .. معرفة مقامات الناس ، و إختبار إلهي ليميز الله الخبيث من الطيب كما قال تعالى : 

{ ولنبونَّكم حتى نعلم المجاهدين منكم و نبلوَ أخباركم }

و يكشف الله سبحانه ( بالمنغصّات ) سرائر الناس :

{ و من الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خيرٌ اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا و الآخرة ذلك هو الخسران المبين }

{ الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله و إنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و أولئك هم المهتدون }

لذلك فقد كانت الحياة اختبارًا ، و لا يجب للحياة أن تكون ( جائزة ) ، فالطالب حين ينجح لا يعرف طعم النجاح من غير التعب و النصب قبل النجاح :

{ الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيُّكم أحسن عملاً } 

( الشئ لا يعرف إلا بضده ) .. و لولا ( الحزن ) ما عرفنا الفرح .. و لولا ( القلق ) لم نعرف الطمأنينة .. و لولا ( المرض ) لم نعرف الصحة .. و لولا ( التعب ) لم نعرف الراحة .. و لولا ( الحرب ) لم نعرف السلام .. و لولا ( الظلم ) لم نعرف العدل .. إننّا ندرك الأشياء حين نعيش أضدادها .. و نعرف قيمتها و ثمنها الحقيقي .. 

لذلك 

لولا ( نقص الحياة ) لم نتخيل ( كمال و جمال جنّة الله ) :

قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: قال الله تعالى: ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر )


اللهم نسألك رضاك والجنة ..

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة