كنت أتخيل أني أسير إليك ، حاملاً كل أوجاع صدري، حاملاً كل السنين والأشواق والمشاعر التي سكنت في قلبي طويلاً.. أسير إليك حاملاً الحلم الطويل للقياك، لأقف عند باب مجلسك، أقف تملء قلبي الهيبة والإجلال والذهول لمرآك .. ربما لن أستطيع إطالة التحديق بك، سيكون رأسي مطأطأ طيلة الوقت، ربما من الحياء أو من الدهشة !.. أخيرًا سأراك!! .. أخيرًا رأيتك !! .. أظن أن هذه الكلمات ستتردد في داخلي وستظل كالصدى المستمر تستثير دموعي .. رأيتك يا حبيبي .. يا رسول الله ! ..
سأبدأ مع صباح كل يوم برفع رأسي قليلاً، محاولة إستراق النظر إلى الوجه القمري الذي لطالما سمعت وصفه ، كل يوم سأرتوي بنظرةٍ تشبع روحي و شغف قلبي ..
سأظل أمعن النظر و أطيل الصمت و أرقب كل موقف يحدث في مجلسك، كل كلمة، وربما كل هدوء! .. لا أظنني سأتمنى أن أبتعد خطوة .. ولا أظن أن صارفًا أيًّا كان سيصرفني عن جمع كل ما يمكنني جمعه من موقف أو درس أو حركة أو همسه !
سأظل صامتًا .. يذهلني مرآك ، صوتك ، حديثك .. ستصحبني أمنية دائمة أن تخصني بحديث أو تخصني بدعوة .. أو أن أجلس معك على انفراد .. سأرقب لحظة نزول الوحي ،فلطالما كان للقرآن وقع على القلوب حين يسمع من القراء، فكيف به وهو للتو ينزل و يقرؤه رسول الله صلى الله عليه وسلم !! .. إنني و لسان حالي بملء الحب يقول: ما الذي يمكن أن يكون أجمل من هذا ؟! ما الذي يمكن أن يكون أجمل منك يا رسول الله أو من صحبتك ؟!
و قد سئل علي -رضي الله عنه- كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟، قال : " كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا، وآبائنا وأمهاتنا، و من الماء البارد على الظمأ " ..
لا أذهل ولا أستغرب من ثوبان رضي الله عنه حين سأله رسول الله-صلى الله عليه وسلم - عن تغير لون وجهه، فقال له ثوبان: يا رسول الله ما بي مرضٌ ولا وجع، غير أنّي إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم أذكر الآخرة فأخاف أني لا أراك، لأنك تُرفع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدًا ..
ولا أذهل ولا أستغرب من امرأه من بني دينار في غزوة أحد، استشهد زوجها وأخوها وأبوها في الغزوة فكان أول سؤالها عنه، عن الحبيب فقالت: " ما فعل رسول الله صلى عليه وسلم ؟ " ، فقالوا لها : خيرًا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، فقالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل-أي صغيرة- ..
ولا أنذهل ولا أستغرب من ردة فعل سوّاد بن غزيه حين ضربه رسول الله على بطنه ضربةً خفيفة ، فرفع له رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه ليقتص منه سواد ، فاعتنق سواد رسول الله صلى الله عليه وسلم و قبّل بطنه ، فسأله رسول الله عن ما فعل فقال : " ما حملك على ذلك يا سواد ؟ " قال: يا رسول الله، قد حضر ما ترى ( أمر الحرب و القتال )، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسَّ جلدي جلدك!
و لا أنذهل ولا أستغرب مما فعل زاهر بن حرام حين احتضنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه ممازحًا له و هو يقول : " من يشتري العبد ؟ " ، ففزع زاهر و لكنه عندما نظر خلفه و عرف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صار يلصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه ..
لله درهم قد عاشوا بصحبه خير الخلق، تمتعوا بكلماته ، بمرآه، بسماع صوته، ورؤية تصرفاته، والعيش معه !
هو المُقَّدم في نفسي على نفسي وأهل بيتـي وأحبابـي وخِلانـي
هل تخيلت يومًا ماذا ستشعر لو كنت هناك .. معه ؟
* لم نحظى من رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحبة في الحياة الدنيا، و لكننا لم نُمنَع من تخيلها .. أو تمنيها في دار البقاء ..