29 Oct
29Oct

قال عمر بن الخطاب مرة، جملة هائلة، تنضح صدقًا ومرارة وتجربة ..

قال : “ إذا أصاب أحدكم ودًا من أخيه، فليتمسك به، فقلما يصيب ذلك “ .

صحيح ، لو فكرت في الأمر - بالطريقة نفسها التي يكون الود فيها - في الله - والتي بالتأكيد فكر فيها عمر ..

لوجدت :قلما يصيب ذلك ..

عندما يكون كل منّا، غريبًا في قارة مجهولة من كوكب مهجور في مجرة نائية، تركض بتباعد عن كل المجرات الأخرى، قلما يصيب ذلك .

عندما يكون كل منّا، قد قفل خوذته المفرغة من الهواء على رأسه، وأغلق الشبابيك العازلة للصوت وللأخرين على نفسه، وأبحر بعيدًا في ظلمات عزلته ودياجير وحدته .. - قلما يصيب ذلك ..

عندما يكون باب قلبك موصدًا والدخول إليه يحتاج إلى شفرة سرية ومحاولة اقتحامه مغامرة انتحارية .. فقلما يصيب ذلك ..

.. وعندما يعصف بك الإعصار، ويحاصرك، ويعصرك .. فقلما يصيب ذلك ..

وعندما تشتد العاصفة، وأنت وحدك في العراء، تبحث عن جذع شجرة لتتشبث به، وتعض به على أسنانك .. فقلما يصيب ذلك ..

وفي صحراء حياتك، عندما يكون الظل سرابًا، والماء أسطورة، والحر سوطًا يهوي على ظهرك، ستبحث عن أحد ، وستتذكر .. فقلما يصيب ذلك ..

.. وعندما تشتد الأزمة، وتكثر السكاكين، وتزداد - في الظهر الطعنات-، سترى في الوجوه الناصحة بعض الشماتة، وستكشف الثغور الباسمة عن بعض الأنياب اللامعة، ستؤكد مع نفسك .. قلما يصيب ذلك ..

.. وعندما يصير بيتك سجنًا انفراديًا، وتبحث عنهم وعن أصواتهم، عن وعودهم، وعن وقفاتهم ، فلا تجد غير القضبان حولك ..

.. وعندما يعم الصمت - ساخرًا من كل الأصوات التي سبق وسمعتها - فإذا بالباب لا يدق، والهاتف لا يرن .. وتتمنى لو أنهم .. 

لكن لا ، قلما يصيب ذلك ..

وستتأكد من أنك كنت دومًا غريبًا في المجرة، ربما لم تكن واعيًا بذلك لأنك كنت محاطًا دومًا بزحام من الآخرين وأصواتهم وضجيجهم ، لكن عندما تحق الحقيقة، ويدق الناقور، ستعرف حقًا هويتك وموقعك .. مجرد غريب آخر في مجرة أخرى ..

.. ولذلك عندما ترى ودًا من أحد .. تمسك بذلك ، فقلما يصيب ذلك ..


اقتباس من كتاب [ غريب في المجرة ] 

د. أحمد خيري العمري 

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة