وفي لحظة ، تعصف بك فيها هواجس الذكريات ، لِتُريَك على صفحات الليل وجوهًا كانت في سماء حياتك بدورًا .. وفي ليلةٍ شاتية كما هذه .. يأتيك نبأ الرحيل ، باردًا كالثلج ، ملتهبًا جدًا كالنار .. ليتركك في وهلةٍ منفصلاً عن كل هذا الكون ، تبحث في ذاتك عن بقاياهم .. عن شئ تلتحف به من برد الصدمة ..
جاء نبأ رحيلك ذات يومٍ .. باردًا جدًا .. تركت بقايا حديثك ، ضحكاتك ، مجلسك .. ليكون الخميس الذي بعده ، أشد علينا من عواصف الشتاء .. التحفنا الصمت يومها .. كنّا ننظر إليك ، لقد كنت هنا .. لم يستطع أحدٌ منّا الحديث .. كلنا كان يغالب دمعة في عينه و فقدًا في قلبه ..
لم يجلس أحدٌ مكانك .. ظل فارغًا أشهرًا عديدة .. أصبحنا نتكلم عنك ، كما لو أنك قريبٌ جدًا ..
أخبرتني ذات يومٍ أنك سمعت في الصباح قارئًا يقرأ الكتاب في المذياع .. دمعت عينك وأن تقول لي أنك كنت تسمعها كأنك تسمعها لأول مره .. لم أعرف حينها ،لِمَ كنت توجه هذا الخاطر في نفسك لي ، لماذا أخبرتني به ؟.. لكني انغمست في فكرة :” أن الله عز وجل قد يرحم عبدًا لدمعة سقطت يومًا ولم يلق لها بالاً “ ..
كُنتَ دائمًا ما تطفئ الخلافات .. تنتهي المشكلة حين تدخل أنت .. محبوبًا عرفتك ، كان مجلسك عامرًا بالناس .. كنت أتسلل لهذا المجلس في صغري .. وأسرق منه أوراق ( البلوت ) و الدفتر الذي كنتم تلعبون فيه ، لأرسم عليه ..
كُنتَ حريصًا أن تجمعنا ، تسأل عن كل فردٍ منّا إذا غاب و تتفقدنا وتتفقد أحوالنا ..
كنت السند لوالدتي.. و أحب شخصٍ لها في الحياة .. يمكنك أن تتصور كم هي تفقدك الآن .. لا أزال أذكر عينيها ، نبرات صوتها ، قلبها المتفطّر .. وهي تزورك على السرير الأبيض قبل رحيلك بأيام .. كانت تود لو أنها تترك كل العالم وتجلس عندك في تلك اللحظات ..
ولأن اللقاء لا ينتهي هنا ..
نسألك يا رب أن تجمعنا بمن نحب في جنّاتك .. يا أكرم الأكرمين .