بعضنا قد يجد حرجًا في أن يطلب العون من أخٍ أو صديقٍ أو قريب .. وكثيرٌ منّا يحاول الإكتفاء بذاته ، والإستغناء قدر المستطاع عن البشر .. و لو عصفت به رياح الهم أو أثقلته الأحزان بان له ضعفه.. وحاجته للعون والمسانده .. فقد يأتي العون على شكل فعلٍ أو قد يأتي على شكل قول .. وقد يكون وجود هذا الشخص دون أن يفعل شيئًا هو عونٌ بحد ذاته !
كان دائمًا ما يذهلني طلبه .. يجعلني أقف كثيرًا .. أتساءل أكثر .. “ لماذا لم يختر أن يكون أفصح لسانًا أو أكثر بيانًا “ .. لماذا موسى عليه السلام بالذات ؟! .. وهو ( كليم الله ) ! ..
يندر أن تجد بالحياة من يقف بجانبك ويسندك .. كثير منّا يتمنى طيف أخ أو ظل صديق .. ما أضعف الإنسان إذ هو يحتاج للعون والسند دائمًا .. لقد أدرك الله سبحانه هذه الحاجة .. فلم يلم موسى على طلبه .. بل حقق له حاجته { قد أوتيت سؤلك يا موسى * ولقد مننّا عليك مرّه أخرى } .. لقد قال له سبحانه أنها منّه أخرى ! .. أن قد رُزِقْتَ بأخٍ معينٍ لك تلك منّه ونعمة أخرى عليك ..
حاجة الإنسان للعون :
{اشدد به أزري }
قوي به ظهري ، أجده حينما أسقط ،حينما أعثر ..سندًا وظهرًا وعَضُدًا قويًا .
{وأشركه في أمري }
في أخص أموري وأهمها ، يعيشها معي كما لو أنها له .. يشاركني إياها كما لو أنها تخصّه .. أقتسم مشاغلي ومتاعبي معه لأستطيع التماسك وإكمال المسير في الحياة .. أراه حين أحمل أثقل الأعمال يحملها معي ،فيخف حملها ويسهل انجازها ..
{كي نسبحك كثيرًا}
ربما يستطيع الإنسان أن يقوم بالطاعات وحده ، و وجود الأخ المعاون بالقرب خير داعم ومحفز للثبات والاستمرار .. فالأخ مرآة نبصر بها عيوبنا ، ويد تمتد لنا حين تعصف بنا رياح الكسل ، وتأكل قلوبنا الغفله ..
{ ونذكرك كثيرًا }
ولا يزال للمشاركه طعمٌ مختلف ، حين تكون المشاركة في محابِّ الله عز وجل .. يصبح في تلك المشاركة كلا الطرفين طيران محلقان في سماء بديعة لا حصر لها ولا حد .. توصلهما إلى الروح والريحان والجنّات الواسعة بإذن الرحمن .
{إنك كنت بنا بصيرًا }
والإشتراك في الرؤية الباطنة .. في الإيمان الداخلي .. في اليقين المشترك .. أن أعرف أنك تبصر بقلبك ما أبصره بقلبي .. أن يشارك الإنسان أرهف مشاعره من خشية وخوف ومراقبة إنسانًا آخر يحمل ذات الشعور ..
“ {وأشركهُ في أمري} .. ليست عنواناً لمحتوى نقرؤه سريعاً ثم نطوي عنه صفحًا مهرولين إلى أعمالنا .. ولا حروفاً تتبعثر على شفاهنا ثم ما نلبث أن ننساها .. ولا هي خاطرة بعيدة عن تكوين أرواحنا !
إنها آية عظيمة .. اختصرت مسافات الرّوح لتصلَ إلى عُمق المقصد الإلهي، وكلمات ربّانية في غاية الجمال .. ذات دلالة عميقة على طبيعة الذات الإنسانية .. حملت في معانيها جرعات من الحبّ، وباقات من الأنس ..
"وأشركهُ في أمري" لفتة حُبّ تختصر مسافات الرّوح لتأكد لنا ضرورة المشاركة لنستمر وننجز، فالفردُ منّا مهما كانت مواهبهُ وقدراته، ومهما كانت شخصيته؛ إلا أنه يبقى في احتياجٍ دائم لشريك يشدُّ من أزره، ويؤنسه ..
"وأشركهُ في أمري" لفتة للشراكة في الهدف والمعنى، ودعوة للتأمل والتفكر في آيات القرآن الكريم..
"وأشركهُ في أمري"لمعةٌ قرآنية تلفتنا إلى أنّ من يشاركنا حياتنا بتفاصيلها.. ـفي أفراحنا وأحزاننا.. في أُنسنا ووحشتنا.. نجاحنا وخسارتناـ ليس شخصا عادياً! بل هو رفيق الطريق والملهم فيه!
"وأشركهُ في أمري" أعمق مما نظن.. وأرقّ مما نشعر.. آية تختصر مسافاتٍ في الحياة..”
( آلاء صقر )
كيف كان هارون لموسى عليه السلام ، أو كيف كان موسى لهارون عليه السلام .. ومن تتبع الآيات في هذا السياق ذهل من هذه العلاقة الجميلة والعميقة جدًا .. التي كانت الشراكة فيها في كل شئ، في الغاية والهدف ، في الحل والترحال ..
إن أخاك الحق من كان معك
ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك
شتت فيك شمله ليجمعك
وخير الصداقة ، أخوة الرحم .. وقد قيل لحكيمٍ: أيهما أحبّ إليك: أخوك أو صديقك؟ فقال: "أخي إذا كان صديقي" ..
و قد لا يمنحك الله تعالى هذا الأخ أو ذاك الصديق في الدنيا ، لكن الله يعلمنا في هذه الآيات أننا سنضل ضعفاء وبحاجة إلى السند دائمًا .. و لا يشقى مؤمنٌ كان سنده مولاه وخالقه .. ومن يرفع يديه إلى الله طالبًا فإنه تعالى لا يرد يد عبده صفرًا خائبتين .. هكذا تُعلمنا دعوة موسى عليه السلام .. وفي عمق هذه الآيات ما هو أكثر مما قيل وأكثر مما سيقال ..
والله المعطي وهو أكرم الأكرمين ()