من الجيد كما يقال : “ أن نقول للمسيء أسأت ، وللمحسن أحسنت “ .. “ أسأت “ وإن كانتِ الإساءةُ صغيرةً جدًا ، “ أحسنت “ وإن كان العَملُ صغيرًا جدًا .. لا أعرف إن كان من طبع البشرِ أو من أخطاءنا الكبرى أن نُركز على الإساءات في مجمل الوقت .. نكون دقيقين جدًا حين نُحاسِب على الخطأ .. بِيَدِ أننا لا نفعل ذات الأمر مع الفعل الصغير الجيد .. وخصوصًا حين يصدر ممن يحاول إصلاح نفسه .. قد نَعْقِد الجلساتِ الطويلة والنقاشاتِ الكثيرة لأجلِ خطأ صغير ، نُفنِد عواقبه وآثاره وما تَرتب على فعله .. وأتساءلُ في هذا الوقت، هل بإمكاننا أن نقوم بمثل هذه الجلسات لإحسانٍ صغير ،نُظهر فيه فرحنا به وتشجيعنا لصاحبه ، فنقول له بكل الحب أننا سعيدون بما قُمت وأننا سنكون معك دائمًا ..
كان يُخطِئ دائمًا ، كان يَعرِف باستمرار أنه قد أخطأ .. وقد عوقب على خطئِهِ ذاك كثيرًا .. وقيل له : “ أسأت “ في الوقت المناسب .. وحين أراد التغيير .. أحسن وبدّل وغيَّر .. وحين أراد الآن التعقيب الجاد على عمله .. لم يقل له أحدٌ “ أحسنت “ في الوقت المناسب !!
كلنا ذاك الذي يَسقُط في الأخطاء ويَتعثرُ بها في حياته .. ومنّا من يَقودُه جهله إلى الخطأ ومنّا من يَتعمَد فعله .. ومِنْ رحمة الله أن خَط الرَجعةِ مفتوحٌ دائمًا .. وأيًا كان ذلك الخطأ الذي وقعنا فيه فيمكننا إصلاحه بعون الله .. غير أن البعض يحتاج حين يكون في طريق الرجعة إلى ( تشجيع ) .. التشجيع حين يَفعل الصواب ويُجاهد نفسه لإصلاح الخطأ .. فالطريق للإصلاح قد لا يكون هينًا سهلاً عليه .. وكل عملٍ بسيط يقوم به في هذا الطريق يكون هو فيه بحاجةٍ ماسةٍ لكلمة صغيرة .. لملاحظة بسيطة .. أو ربما ..
لـ “ أحسنت “ في الوقت المناسب .
كان يَعمَل دائمًا و يَجتهِد كثيرًا .. وحين أخطأ مرةً .. وظَهَر خطأه .. عُوقِبَ عليه ،ولم يُغفر له .. وتم نسيان أوتجاهل جميع إجتهاداته ومحاولاته .. لقد قيل له “ أسأت “ في الوقت المناسب حين ظَهر الخطأ .. ولم يُقل له “ أحسنت “ حين كان يحتاجها دائمًا ..
نُكَلَف أحيانًا بمهام واجبةٍ علينا ، لكننا في ذاتِ الوقت،نحتاج للتشجيع لكي نستطيع تحمل تكاليف ومشاق ذلك العمل ، وقد تكون “ أحسنت “ دافعًا لتحمل كثير من السأم والضجر والتعب المصاحب لتلك المهمة ..
“ كان الإمام البخاري رحمة الله تعالى يفعل ذلك - أي : التشجيع - مع الورّاق ، فقد كان يملي عليه الإمام الأحاديث وهو يكتب في الورق، فكان يكثر جدًا في الإملاء، فيخشى أن يمل الرجل رغم أنه كان يأخذ أجرًا على هذا، فكان يلاطفه ويواسيه ويشجعه باستمرار كي لا يمل، يقول الوراق : (فأملى علي يومًا-أي الإمام البخاري- أحاديث كثيرة فخاف مللي، فقال: طب نفسًا فإن أهل الملاهي مع ملاهيهم، وأهل الصناعات في صناعاتهم، والتجار في تجارتهم، وأنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ) يقول له : طب نفسًا، وهذا تشجيع وثناء عليه، وتسلية له ومواساة على هذه المشقة التي يتحملها “
قد نخسر الكثير من الأشخاص الجيدين و الأعمال الجيدة حين لا نهدي التشجيع لمن يحتاجه “ في وقته المناسب “ دون إفراط أو تفريط .
تَفَقَّد من حولك .. رَكِز على الأعمالِ الجيدة الصغيرة التي يُحاولون القيام بها .. فرُبّ كلمةٍ طيبةٍ تُحيي عزمًا وتُشعل ضوءً كاد أن ينطفئ .